الثلاثاء، 7 سبتمبر 2010

جنية العين

• جنية العين:
لقد كان لعمق هذه العيون أثرٌ كبير في زرع الخوف والهلع في قلوب الآباء والأمهات خشية أن يغرق فيها أبنائهم عند ذهابهم للسباحة فيها، ولعلّ هذا الخوف والهلع من غرق الأبناء هو الذي أوحى لهؤلاء الآباء والأمهات باختراع أسطورة موغلة في القدم هي أسطورة «جنية العين»، أو كما تسمى في العرف المحلي بـ«راعية العين»، وملخص هذه الأسطورة يقول بأنّه تسكن في أسفل كل عين ماء قديمة جنيّة شرّيرة تهوى اختطاف الأطفال وتغريقهم، فاستطاع الآباء والأمهات أن يزرعوا الخوف والحذر في أولادهم عند ذهابهم للسباحة في هذه العيون، ثم تطور الأمر مع الزمن إلى أن أصبحت أسطورة «جنية العين» حقيقة لا تقبل النقاش لدى الأهالي، وأصبح ضحاياها ليس الأطفال فحسب، بل وحتى الكبار أيضاً، وصار كلّ من يموت غرقاً في هذه العيون سواءً أكان صغيراً أم كبيراً يُلقى سبب موته على «جنية العين» التي غرق فيها، وتطور الأمر إلى حد زعمهم لجنيات بعض العيون صفات وعادات ليست لجنيات غيرهن كقولهم إنّ بعض جنيات العيون لها «طلب شهري» أو «طلب سنوي» أي أنها لا بد من أن تقتل شخصاً كل شهر أو كل سنة، وزاد بعضهم في خصائص بعض الجنيات أنها تطلب كل عام عروساً أو عروسة أي أنه لا بد أن يموت غرقاً في عينها أحد العرسان أو إحدى العرائس.
وقد كان لمثل هذه الأساطير وقع من الرعب كبير جداً علينا حين كنا نذهب ونحن صغار للسباحة في هذه العيون، وأذكر عندما كنت في الرابعة عشرة من عمري أنني كنت أسبح وحدي ذات يوم عند الظهيرة في العين المعروفة بعين الغُرَّة من عيون القديح، فحصل أثناء قيامي بالغوص أسفل مائها أن دخل إبهام رجلي في شقٍّ من حجر ناتئ تحت الماء وأنا أهم بالصعود للأعلى لالتقاط أنفاسي، فكان من الطبيعي أن أشعر بشيء يشدني للأسفل، فأصابني هلعٌ شديد كاد أن يقضي علي غرقاً لأنّ ظني قد ذهب إلى أنّ ما يشدني للأسفل ما هو إلا «جنية العين»، وأنّ أجلي قد اقترب على يدها الجبارة، ولولا لطف الله الذي جعلني أنظر إلى الأسفل لأجد أنّ كل ما في الأمر هو انحشار إبهام رجلي في ذلك الحجر الناتئ ليس إلا، ثم قيامي بشد رجلي بقوة منه لأصبحت في خبر كان، ولصرت أحد قتلى «جنية عين الغُرَّة» عند الأهالي، وهكذا كتبت لي النجاة في ذلك اليوم من «جنية العين» إلا أنّ النجاة لم تُكتب لابن خالي المرحوم شاكر بن رضي الجنبي الذي وافاه أجله غرقاً في نفس العين قبل بضعة سنوات من هذه الحادثة، وهو في ريعان صباه رحمة الله عليه.
وبالرغم من أنني لا أعتقد بوجود جنية العين الآن إلا أنه كان لهذه الأسطورة وقعٌ مخيف كما قلت في قلوب الأولاد الصغار ساهم في جعلهم حذرين عند سباحتهم في هذه العيون؛ كما جعلهم يخافون من ذهابهم وحدهم إليها، وهو ما حقق للآباء والأمهات ما كانوا يرجونه من سلامة أولادهم عند إخبارهم لهم بأسطورة «جنية العين».